يخطو المغرب اليوم مرحلة حاسمة في مساره التنموي يجتمع فيها الطموح الاقتصادي مع التحديات الاجتماعية، ضمن رؤية إستراتيجية تضع الإنسان في قلب كل تحول. وقد بدأ هذا المسار يثمر نتائج ملموسة تجلت في مؤشرات النمو والاستقرار وبناء مؤسسات أكثر شفافية وانفتاحا.
وتأتي استضافة المملكة لـ”إكسبو 2025″ وللمونديال 2030 بالمشاركة مع إسبانيا والبرتغال كحدث استراتيجي متعدد الأبعاد، يتجاوز المجال الرياضي ليشمل أهدافا تنموية واقتصادية ودبلوماسية. فالمغرب يسعى لتحويل هذه التظاهرة إلى قوة دافعة للإصلاح البنيوي في البنية التحتية والنقل والخدمات الصحية والبيئة الحضرية.
تغيير قواعد اللعبة التنموية
لا تقتصر المشاريع الجارية على إنشاء الملاعب والمرافق الرياضية فقط، بل تشمل التزامات واضحة بتحسين النظام الصحي وتطوير الخدمات العلاجية وتجهيز أقسام الاستعجالات لتتوافق مع المعايير الدولية. وتعكس هذه المقاربة فهماً عميقاً بأن التنمية الحقيقية تُقاس بجودة الخدمات الأساسية التي تمس حياة المواطن اليومية.
ويُظهر المغرب في هذا السياق قدرة ملحوظة على تحقيق قفزات نوعية في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية والمشاريع الصناعية الكبرى، إضافة إلى تميزه في الدبلوماسية الرياضية بفضل إنجازات منتخباته الوطنية وتجربته التنظيمية الناجحة.
الرياضة كأداة تحول اقتصادية واجتماعية
يشكل فوز المنتخب الوطني للشباب بكأس العالم 2025 تجسيداً لهذه الدينامية المتصاعدة، إذ لم يكن إنجازاً رياضياً عابراً بل نتيجة حتمية لسنوات من التخطيط المنهجي بدءاً من تطوير مراكز التكوين وصولاً إلى إصلاح البنية التحتية الرياضية.
وتؤكد هذه النجاحات الرؤية التي عبر عنها القائد نيلسون مانديلا حين قال: “الرياضة تملك القدرة على تغيير العالم، فهي توحد الناس بطريقة لا يستطيع أي شيء آخر أن يفعلها”. وفي هذا السياق، يبرز دور الرياضة كقوة ناعمة تساهم في تحسين صورة البلاد وجذب الاستثمارات، تماماً كما أشار جوزيف ناي صاحب مفهوم القوة الناعمة: “القوة الناعمة هي القدرة على الجذب بدل الإكراه، والرياضة من أقوى أدوات هذا الجذب”.
تحديات الاستدامة والتوازن المجالي
يواجه المغرب تحدياً أساسياً يتمثل في تحويل الزخم الرياضي إلى مكاسب تنموية دائمة، إذ أن الملاعب الحديثة والمرافق المتطورة لن تحقق قيمتها الحقيقية إلا إذا اندمجت في منظومة حضرية واقتصادية متكاملة. وهذا يتطلب تبني مقاربة شمولية تراعي العدالة المجالية، بحيث تستفيد جميع جهات المملكة من هذه الدينامية التنموية، وليس المدن الكبرى فقط.
كما تضع تجربة التنظيم المشترك للمونديال المغرب أمام اختبارات جديدة في التنسيق اللوجستي وتوزيع الأدوار مع الشريكين الإسباني والبرتغالي، مما يتطلب جاهزية مؤسساتية وانضباطاً مالياً صارماً لضمان النجاح وتحقيق العوائد الاقتصادية المستدامة.
الرهان على ما بعد المونديال
يكمن التحدي الأكبر في قدرة المغرب على تحويل الاستثمارات المرتبطة بالمونديال إلى إصلاحات مؤسسية عميقة في مجالات التعليم والصحة والإدارة وسوق الشغل. فالهدف ليس تنظيم حدث عالمي ناجح فحسب، بل تأسيس مرحلة جديدة من التنمية الشاملة التي تترجم الرؤية الإستراتيجية إلى واقع ملموس في حياة المواطنين.
وتؤكد القراءة الموضوعية للمشهد التنموي أن المغرب يسير بثبات نحو تعزيز مكانته الدولية والقارية، لكن استمرارية هذه المكاسب مرهونة بقدرته على تحقيق إصلاحات داخلية تعزز الحكامة الجيدة وتضمن العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
خلاصة الرؤية
تشكل استضافة كأس العالم 2030 فرصة تاريخية للمغرب لتعزيز مساره التنموي، لكنها في الوقت نفسه اختبار لمصداقية هذا المسار وقدرته على تحقيق التوازن بين الطموحات الدولية والحاجات المحلية. فالنجاح الحقيقي سيُقاس ليس بما يُبنى من منشآت رياضية، بل بما يُترك من إرث تنموي يحسن جودة حياة المواطنين ويعزز ثقتهم في قدرة بلدهم على تحقيق التقدم والازدهار.







تعليقات
0