بين صافرات الاستهجان التي ترددت في الملعب عقب التعثر أمام مالي، والهتافات التي عبرت عن الفخر بعد التألق ضد زامبيا، يبرز مشهد يتجاوز حدود المستطيل الأخضر ليدخل في عمق نفسية الشعب المغربي. ليس الأمر مجرد كرة قدم، بل هو مرآة جماعية تعكس آليات نفسية معقدة من الإسقاط النفسي والعدوى الانفعالية.
التذبذب الوجداني كان حاضرًا في ردود الفعل الجماهيرية، حيث بين غضب الإحباط بعد المباراة مع مالي، وبين الفرح والاعتزاز بعد المباراة ضد زامبيا، يتشكل تساؤل حول طبيعة العلاقة بين الجماهير المغربية ومنتخبها الوطني.
إسقاط نفسي وعدوى انفعالية
في تفسير نفسي لما يحدث، أوضح الأخصائي النفسي فيصل الطهاري أن ردود الفعل الجماهيرية تتبع آليات نفسية معروفة في سلوكيات الجماعات. وقال: “الانفعالات مثل الغضب أو الفرح تُسقط على اللاعبين والمدرب، وهذا إسقاط نفسي حيث يُحمّل المنتخب المسؤولية عن الإخفاقات أو يُنسب له النجاح والفرح في حالة التميز”.
وأشار الطهاري إلى أن هناك عدوى انفعالية حيث تبدأ مشاعر الغضب أو الفرح من مجموعة معينة ثم تنتقل إلى بقية الجماهير، سواء في الشوارع أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتُؤثر هذه الانفعالات بشكل جماعي على المنظومة الجماهيرية، مما يعكس كيف يمكن أن تتأثر المشاعر الجماعية بالأداء الرياضي.
التأثير النفسي على اللاعبين والمدرب
وحول تأثير هذه المشاعر على اللاعبين أو المدرب، أوضح الطهاري أن الأجواء الجماهيرية قد تؤثر على اختيارات المدرب إذا كان يتفاعل مع ردود فعل مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أن الوصول إلى هذه المواقع يكون عادة مراقبًا. وأضاف: “إذا كانت هناك تغريدات أو انتقادات إعلامية، قد تؤثر على القرارات الفنية في بعض الأحيان، لكن التأثير غالبًا ما يكون غير مباشر“.
ثقافة توقعات عالية بعد نجاح كأس العالم
من جانبه، اعتبر الأخصائي النفسي عادل الصنهاجي أن هذه الظواهر ليست خاصة بالشعب المغربي، بل هي سلوك جماهيري شائع في جميع أنحاء العالم، خاصة بعد النجاح الباهر للمنتخب في كأس العالم 2022. هذا الإنجاز أسس لتوقعات عالية جعلت الجماهير تتعامل مع أي نتيجة غير الفوز على أنها إخفاق.
وقال الصنهاجي: “بعد النجاح التاريخي في كأس العالم، تحول المنتخب إلى رمز وطني، وأي تراجع في الأداء يُعتبر خذلانًا شخصيًا. هذه الظاهرة تُظهر الحاجة إلى ترسيخ ثقافة رياضية قائمة على قبول كافة النتائج، سواء كانت فوزًا أو تعادلًا أو خسارة“.
تأثير الإعلام على ردود الفعل الجماهيرية
وتابع الصنهاجي أن الإعلام الرياضي يتحمل جزءًا من المسؤولية في تضخيم التوقعات والتركيز على ثقافة الفوز، مما يساهم في تهييج مشاعر الجماهير عند تعثر المنتخب. وأشار إلى أن الخطاب الإعلامي الذي يركز على إخفاقات المنتخب يُسهم في تحفيز الغضب الجماهيري.
ضرورة الوعي الجماهيري في التعبير عن الدعم
وختم الصنهاجي بالقول إن صافرات الاستهجان التي تلت مباراة مالي كان لها أثر نفسي على اللاعبين، مطالبًا الجماهير المغربية بتبني سلوك جماهيري أكثر وعيًا و نضجًا. وأضاف: “من الطبيعي أن نتقبل كافة النتائج، سواء الفوز أو التعادل أو الخسارة، لأن ذلك جزء من روح الرياضة“.
المصدر: هسبريس






تعليقات
0